الجنيه المصري يشرق بين طموح الإصلاحات واستقرار الاقتصاد

2025.08.18 - 09:04
Facebook Share
طباعة

في خضم العواصف الاقتصادية العالمية، يبرز الجنيه المصري عام 2025 كرمز للصمود، مستعيداً عافيته أمام الدولار الأميركي بثقة وثبات، مدعوماً بإصلاحات اقتصادية جريئة وتدفقات نقدية متزايدة، هذا الانتعاش لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة تفاعل عوامل محلية ودولية عززت الثقة في العملة المصرية، رغم التحديات الجيوسياسية والتجارية التي تواجه العالم.
استقر سعر صرف الجنيه المصري عند نحو 48.33 جنيه للدولار بحلول منتصف أغسطس الجاري، ما فتح آفاق الأمل لاقتصاد ينمو بثبات، ويعكس هذا الاستقرار نجاح الإصلاحات ويعزز التوقعات باتخاذ البنك المركزي المصري خطوات لخفض أسعار الفائدة، في إشارة لتوجه نحو نمو مستدام وتحفيز الاستثمار المحلي.
برزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج كقوة دافعة لهذا التعافي، حيث بلغت 32.8 مليار دولار في الفترة من يوليو 2024 حتى مايو 2025، محققة نمواً سنوياً كبيراً بنسبة 69.6%، وقد أسهمت هذه التدفقات في رفع احتياطيات النقد الأجنبي إلى 49.036 مليار دولار بنهاية يوليو 2025، بزيادة قدرها 336 مليون دولار عن الشهر السابق، ومن المتوقع أن تواصل هذه التحويلات ارتفاعها إلى 35 مليار دولار خلال السنة المالية 2025/2026، ما يجعلها شريان حياة رئيسي للاقتصاد الوطني.
ما زال قطاع السياحة يشكل محركاً أساسياً لتدفقات النقد الأجنبي، فقد استقبلت مصر 8.7 مليون سائح خلال النصف الأول من 2025، بزيادة 24% على أساس سنوي، وحققت إيرادات سياحية بلغت 8 مليارات دولار، بنمو 15.4%. ويعكس هذا الزخم جاذبية مصر كوجهة سياحية اقتصادية، خاصة بعد انخفاض قيمة الجنيه الذي عزز القدرة التنافسية للقطاع السياحي، وتستهدف الحكومة استقبال 17 إلى 18 مليون سائح بنهاية 2025، بما يعزز الإيرادات ويقلص الفجوة التجارية البالغة 37.3 مليار دولار في 2024.


تعزز هذه المؤشرات المالية الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها مصر، بدعم من برنامج صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، كما أسهمت صفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات في جذب استثمارات بقيمة 35 مليار دولار، ما أسهم في تقليص الفجوة بين السوقين الرسمي والموازي، مع توقعات باستقطاب استثمارات خليجية إضافية تصل إلى 150 مليار دولار.
اتبعت مصر سياسات نقدية صارمة، حيث بقيت أسعار الفائدة عند 27.25% و28.25%، ما ساعد على خفض التضخم إلى 13.9% في يوليو 2025 مقابل 14.9% في يونيو، مع توقعات بانخفاضه إلى 12.5% في 2025/2026، ويسمح هذا التراجع في التضخم للبنك المركزي ببدء دورة خفض تدريجية للفائدة، الأمر الذي سيقلل تكلفة الاقتراض ويحفز النمو الاقتصادي المتوقع عند 4% في 2025.
اجتذبت الإصلاحات الاقتصادية تدفقات استثمارية أجنبية، حيث شهدت أدوات الدين المحلية استثمارات بقيمة 1.1 مليار دولار في أسبوع واحد خلال مايو 2025، أغلبها من مستثمرين عرب، ما عزز الثقة في استقرار الجنيه، إلا أن التحديات الهيكلية لا تزال قائمة، وأبرزها الدين الخارجي الذي بلغ 155.2 مليار دولار في سبتمبر 2024، مع التزامات لخدمة الدين بقيمة 21.3 مليار دولار خلال النصف الأول من 2024/2025. ولا تغيب أيضاً التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على إيرادات قناة السويس، إلى جانب العجز التجاري غير النفطي.
يوفر ارتفاع الاحتياطيات النقدية والتدفقات الاستثمارية حماية نسبية ضد المخاطر، إلا أن أي خفض لأسعار الفائدة يتطلب حذراً من أجل تجنب الضغط على الجنيه، خاصة مع توقعات بعض المؤسسات بوصول الدولار إلى 52 جنيهاً بنهاية 2025 و54 جنيهاً في 2026، ومع استقرار متوقع للجنيه بين 46 و48 جنيهاً خلال النصف الثاني من 2025، تبدو هناك إمكانية لتخفيض تدريجي للفائدة، بما يحفز النمو دون التأثير على الاستقرار النقدي.
تعافي الجنيه المصري عام 2025 يؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية وقوة التدفقات النقدية من التحويلات والسياحة، غير أن استمرار هذا التعافي يقتضي مواصلة الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز الصادرات، والحد من الاعتماد على الواردات، ومع الارتكاز إلى إرادة سياسية قوية وتنفيذ دقيق للسياسات، يمكن الحفاظ على قوة الجنيه في خضم مخاطر اقتصادية وجيوسياسية عالمية متزايدة.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3